samedi 30 juillet 2011

الجزائري وعقلية الحرقة والإنتحار

هذه المقالة كنت قد كتبتها من قبل في مدونتي wordpress وأحببت أن أعيدها هنا... (محاولة كتابة مقالة)
ملاحظة: الحرقة في لهجة الجزائريين تعني الهجرة إلى الضفة الغربية (أوروبا).
     

  إنه لمن المؤسف أن تطل علينا معظم الجرائد الإخبارية كل صباح بأخبار تتعلق بالانتحار أو الحرقة،  وأبطالها شباب في مقتبل العمر أو أشخاص يعيلون عائلة كبيرة بطش بهم الفقر والتهميش وغياب العدالة، وجعلهم فريسة لمثل هذه الآفات التي أصبحت موضة لا يتقنها سوى الجزائري ، وأصبحت أمرا مألوفا جدا لدى الغالبية، فإن كان انتحار البوعزيزي بحرق نفسه بسبب الذل الذي يعيشه معظم التونسيين فعند الجزائريين صدق فيهم قول علي –رضي الله عنه- (كاد الفقر أن يكون كفرا)، فعلى غرار الفقر والتهميش وغياب العادلة بسبب غياب الجهات المعنية عن الساحة، فهل غياب الوازع الديني وتحكيم العقل آثـــرٌ بالغ في انتشار هذه الآفات؟
            الظاهرة بحكم انتشارها بسرعة في وسط المجتمع الجزائري، فإن الحرقة تبدأ بالتستر والتخفي وتبديد الأموال من أجل الوصول إلى الضفة الأخرى طمعا في العيش الرغيد، والانتحار بالتهديد أو بمحاولة الانتحار وأساليبه كثيرة ومعروفة لدى العام والخاص، فيعتقد البعض أنها لا تعتدوا سوى مجرد استلطاف لذوي القلوب الرحيمة بعد أن أوصدت الأبواب في وجهه  وذنبه الوحيد أن يسترد حقا سلب منه، فبهذه الطريقة يرى أن السيل قد بلغ الزبى ولابد من الإنصاف، ولا داعي لذكر الأمثلة لأنها تعد بالمئات والواقع شاهد على ذلك، فبقدر ما يعتقدون بأنها طرق جديدة لاستعادة حقوقهم فإنها في المقابل غالبا ما تنتهي نهاية مأساوية.
والمشكلة الحقيقة أن معظم شرائح المجتمع أصبحت تحمل هذه الثقافة التي ما هي إلا أسلوب منحط من جميع النواحي في طلب الحقوق، وهي نتيجة تراكم سنوات عديدة عاشت فيها البلاد الأمرين، ولا تعالج المشكل بقدر ما أصبحت سنة يستن بها الغير في إزهاق أرواحهم، فمن ذلك نرى أصحاب الشهادات من الذين يرى فيهم القدوة قد شربوا من منابع هذه الآفات، وحين نبحث عن السبب نجد أنه مثلا لا على سبيل الحصر، يحاول جاهدا أن يجد لنفسه عملا محترما على قدر شهادته من خلال سعيه الحثيث وانتقاله من مصلحة إلى مصلحة ومن مؤسسة إلى مؤسسة مع كم هائل من الوثائق، ومع كثرة الوعود إلا أنه دائما يجد نفسه يدور في حلقة مفرغة، والطامة الكبرى يرى أن الذي تعلمه لا فائدة منه، وبعد اليأس والقنوط مع الاعتقاد أن الموت أرحم فلا يجد إلا متنفسا واحد وهو الحرقة أو الانتحار، حتى الأطفال رغم صغر عقولهم وبراءتهم إلا أن عقولهم أصبحت مشبعة بمثل الأمور، فيمثل بعضهم دور المنتحر كأن يشنق نفسه أو شيء من هذا القبيل، وكم من حوادث مؤلمة وقعت ذلك أنها أصبحت جزءا من المجتمع، وطغت وتغلبت على الأخلاق.




وهنا تحضر لي واقعة أراها مثالا حقيقا لصرف أنفسنا عن مثل هذه الأمور، وأنا تعمدت أن ألقي الضوء على مثل هؤلاء أي أصحاب الشهادات لأنهم في الحقيقة هم النواة في تغيير نظرة المجتمع ومحاولة نشر الثقافة المعادية لمثل هذه الآفات، فكما ذكرت آنفا أن المنتحر يرى أن ما تعلمه ذهب هباء منثورا، لكن ليس من الضروري أن أجد لنفسي عملا في دائرة حكومية، بل بالعكس فأرض الله واسعة وإنما يوفى الصابرون أجرهم، فالواقعة هي أن شابا جامعيا متحصل على شهادة مهندس دولة في المحروقات لا أتذكر بالضبط الاختصاص، قاس الأرض طولا وعرضا شرقا وغربا لعله يجد لنفسه عملا كباقي أقرانه، لكن لا جدوى، ورغم ذلك لم ييأس، فأنشأ لنفسه محلا صغيرا يبيع فيه الخضروات والذي لفت الانتباه في قصته أنه علق شهادته على الحائط، معتمدا أيها كطريقة للسعي في طلب الرزق، عسى أن يجد من خلالها ما لم يجده في ما فعله من قبل، وبالفعل صادف أن جاءه زبون على غير العادة ليشترى كباقي الزبائن، فلاحظ تلك الشهادة وطرح عليه سؤالا مفاده: (لماذا تعمل مثل هذا العمل وبحوزتك هذه الشهادة) فألقى عليه قصته من ألفها إلى يائها، فكان السائل يبحث منذ مدة على الحاملين لمثل هذه الكفاءات، فكان سببا في توظيفه في الشركة التي يعمل بها، وبذلك ودع أيام الشقاء بصبره وباستعماله لعقله وفي قرارة نفسه أن اليأس هو أشبه بالسم القاتل.


قد يقال أنني ركزت على العمل ولقمة العيش وكأن الجزائري ليس له هم سوى بطنه وتعمدت عدم ذكر الأسباب الأخرى، لكن في الحقيقة الذي يعمل ويكسب قوت يومه فما له حاجة  إلى قتل نفسه، حتى وإن لم يجد قوت يومه فلا ضرورة للانتحار وذلك مصداقا لقوله تعالى: ()وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) سورة النساء (فهذا من عظم رحمة الله والتي جهلها الكثير ممن قتلوا أنفسهم سفها، وقال في آية أخرى في النهي عن قتل الأولاد مخافة الفقر ((وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ )الأنعام151)، فالله نهانا عن قتل أبناءنا فما بالك بأنفسنا والرزق من عند الله، ولكن أعزوا سبب تسرعنا هذا إلى انعدام الصبر والذي يعتبر من أعظم الأخلاق، فأن أموت جوعا وألقى الله تعالى وأنا جائع وصابر خير لي من أن أبادر إلى الله بنفسي والعاقبة معروفة وهي الخلود في النار، وقد يقال أن هناك من يعمل ولكنه ظُلِم ولم يجد من يسترد له حقه سوى أن يسلك هذا المسلك، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك لنا سبيلا للخير إلا وأمرنا به ولم يترك لنا سبيلا للشر إلا ونهانا عنه، فالمظلوم دعوته مستجابة ولو بعد حين فليس بينها وبين الله حجاب، حتى الكافر المظلوم سينصره الله تعالى، فالله سبحانه وتعالى يعلمنا الصبر وهي حكمة بالغة لمن وعاها، فهذا الكافر ينصره الله والمسلم أولى بذلك، والظالم قد بشرنا الله تعالى أنه لا محالة لن يستمر في ظلمه مهما طال به الزمن ومهما كانت الظروف وهذا مصداقا لحديث رسول الله فعن أبي موسى الأشعرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) قال : ثم قرأ :)وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ( متفق عليه، إذن فلماذا التسرع والوقوع فيما لا يرضي الله تعالى وإلى ما يوجب غضبه، فهذه سنة سيئة تعود على من سنها بالوبال والخسران، لأن الكل أصبحت ملاذه، ويكفينا ما لها من أثر بالغ على المجتمع، والشيء الذي يدعوا إلى السخرية أن من سنها في نظر الغالبية يعتبر بطلا والأدهى والأمر يصنف في خانة الشهداء، وهذا من عظم الجهل وعدم الاهتمام بأوامر الله تعالى.
إذن من نافلة القول نجد أن الإنسان مهما يعيش في فقر مدقع أو في بيئة ظالمة فلابد له من أن يحتكم إلى عقله وأن يطبق شرع الله على نفسه، وأن يكون متسلحا بالأخلاق الفاضلة التي تستوجب جلب الأرزاق ودفع المضار، ولا ضير أن أعظم خلق وأعظم صفة على الإطلاق في مثل هذه الحالات هو الصبر، وتكفينا القصة السابقة فهي خير دليل على شواهدنا التي استدلالنا بها وكفى بقول الله تعالى وبقول رسوله دليلا ومنهاجا وشرعة.
            وأخيرا فهذه الآفات هي نتيجة سنوات الأسى التي عاشها الشعب ونتيجة الجهل بشرع الله تعالى ونتيجة التسرع الذي يكون فيه العقل خاملا لا يفكر، فنحن لا نقول لا تطالب بحقك ولكن نقول طالب دون إزهاق روحك، فطلبك لحقك هو لغرض استمتاعك به إذا فما الداعي لقتل نفسك.

0 التعليقات:

Enregistrer un commentaire

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Powerade Coupons